لا تبادله المشاعر نفسها، أن يحصل على شعرة من رأسها ويضعها في تمرة بعد أن يفرغها من نواتها, ويدفنها في مكان لا تطأه الأقدام، فإن المرأة «أو الرجل» ستشعل رغبة في لقائه!
ولإشعال نار المحبة في قلب امرأة «المرأة المسكينة دائما» بأخذ طالبها أظفار هدهد وأظفاره ويحرقها جميعا ويسقيها من رمادها مخلوطا بسائل، فإنها لن تطيق عليه صبرا, وكذلك الأمر اذا غسل الرجل قدميه وسقى امرأته من ذلك الماء, فإنها تحبه حبا شديدا!! ويأخذ الرجل منيه ويلطخ به قطعة سكر ويطعمها للمرأة, من دون أن تعلم من ذلك شيئا فإنها تحبه حبا شديدا!
(لاسترجاع الزوج أو العشيق
المغرب ودنات على «فلان ولد فلانة»
بالوحش والغمة
من وحشي بكى
من وحشي شكى
من وحشي طرطق السلاسل وجا)
إن هذا السجع الذي يسمى في مصنفات السحر «دعوة الشمس»، هو طقس سحري تقوم به المرأة التي غاب عنها الزوج أو الحبيب بسبب الهجر، أو لدواعي السفر، وتفصيله كما يلي: في وقت المغيب، توقد المرأة النار في مجمر وترمي فيها بعض البخور وتقف مواجهة لمطلع الشمس تلوح بمنديل استعمله سابقا أثناء الجماع «الشرويطة» وهي تتلو دعوة الشمس.
وتبدو قوة هذا الطقس متجلية في القوة السحرية للكلمات المنظومة في شكل سجع يعتقد أنه سينقل للشمس التي تغيب أمنية المرأة في أن يكسر زوجها القيود المعنوية والحقيقية التي تمنعه من وصالها، كي يلبي نداء شوقه إليها!
والحقيقة أن الكثير من طقوس دعوة «الزوج» الغائب تتضمن سجعا يُتلى بشكل طقوسي، ويكـون الكـلام الدعوة موجها إما لقوى الطبيعة التي لها قدرة على التأثير المباشر أو غير المباشر على الحبيب الغائب، أو إلى قوى فوق طبيعية كالجان، أو إلى المواد المستعملة خلال الطقس السحري (البخور، مثلا).
ونقدم فيما يلي بعض النماذج:
تأخذ المرأة البخور التي من ضمنها الشيح وترميها في مجمر ناره موقد وهي تردد:
(الشيخ يا الشيخ
الناس تقول ليك الشيخ
وأنا نقول للطالب المليح
اطلع للسما وصيح
جيب «فلان» عند فلانة بنت فلانة).
وتضع بعد ذلك مزيدا من البخور في المجمر وعلى ضوء نار شمعة تنادي الجن:
(دخلت عليكم يا موالين المكان
هاكوا التفاح باش تسكنوا أولادكم
وزيدوا لي في النار
باش يجي «فلان» عند «فلانة» بنت فلانة.
تستعمل الزوجة لاسترجاع زوجها أيضا، البخور السبعة المعروفة في نار المجمر وهي تقول:
(صيفطت لك ميات جنية وجنية
ثلاثة يهود
وثلاثة نصارى
وثلاثة من حانوت الجزارة
يكفتوك بالحبال المثنية ويجيبوك لبين يدي.
تحرق المرأة البخور السبعة دائما، عند طلوع الشمس وتردد:
(سلامي عليك يا شمس
الناس يقولوا ليك الشمس
وأنا نقول ليك لا لا زيرارة
يا اللي قاسمة السما بحرارة
ما تقسمي الفكوسة والخيارة
حتى تقسمي قلب «فلان» ولد «فلانة»
ماشي بقولي، بقول الرسول
سيدي محمد المذكور
وبجاه مكونة بنت لمكون
بنت لحمر سلطان الجنون
كل ما قالوا لساني يسجي ويكون!)
تأخذ المرأة مجموعة من المواد وترميها تباعا وهي تردد:
(بخرت بالحرمل باش يجي كيتحرمل
بخرت بالزعتر باش يجي كيتعثر
بخرت بفليو باش يجي كفيو)
(العر عار يا لعر عار
يا اللي ما كيخلي عار
الناس يقولو العر عار
وأنا نقول بالهدهد اللي يحمي ما كتبو الطلبة
جيب ليا «فلان» ولد فلانة).
كيف نفهم غاية العملية السحرية في هذه الوصفات التي تعتمد على السجع، لدعوة الحبيب الغائب؟
– إن الكلام الموزون قيمة سحرية كامنة في ايقاعته التي تناسب طبيعة الطقوس السحرية، ولذلك نجده حاضرا بكثرة في طقوس السحر لدى العديد من الشعوب المتفرقة عبر العالم, وكما يشير إلى ذلك إدموند دوتية، في مؤلفه الموسوعي حول الدين والسحر في افريقيا الشمالية، فإن الشعوب العربية القديمة كانت تمنح للكلام الموزون قدرات تأثيرية تتجاوز التأثير على الكائن البشري إلى ما سواه من عناصر وقوى الطبــيعة الأخرى، حتى أصبح الشاعر ينعت بأنه ساحر والشعر بأنه سحر.
ومنه نستنتج أن الطقوس الشفوية لدعوة الحبيب تعتمد بالأساس على القوة الحرية للكلمات، أكثر من اعتمادها على العناصر الأخرى «البخور، طلوع أو غروب الشمس، إلخ» التي تعتبر عناصر سحرية مساعدة أو مكملة، فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق