هو خلق نوراني مجرد من الشهوات والغرائز ، وهم بهذا يخلقون خلقاً لا تناسلاً . وهم أول خلق الله من بين جميع خلقه . بدليل أنهم كانوا أول من حمل العرش الإلهي بعد أن استوى الرحمن عليه إذ أن القرآن الكريم يقرر أن العرش الإلهي كان على الماء ) وكان عرشه على الماء ( [ هود : 7] وأن الله عز وجل عندما أتم خلق السموات والأرض في ستة أيام استوى على العرش . وعندئذ قامت الملائكة بحمله وهم يسبحون ويطوفون حوله .
قال الله تعالى :
) إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ( [ يونس : 3 ] .
ويتأكد هذا المعنى في الآية ( 54 ) في سورة الأعراف حيث تتطابق تماماً مع الآية السابقة في ألفاظها ومعانيها .
إن حمل الملائكة للعرش الإلهي وما يحيط به إنما يكون مقروناً بتسبيحهم لله عز وجل قال تعالى Smile الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ( [ غافر : 7] .
وهو أول العوالم اللامرئية التي حجبت رؤيته عن عالمي الإنس والجن ، لكنه عالم يُستدل عليه بالأثر .
وبما أن رؤيتهم قد حجبت عنا في اليقظة ، فكذلك حجبت عنا في النوم ، فلا يظهرون في النوم من خلال الرؤيا على حقيقتهم الخلقية ، وإنما يظهرون من خلال وجودهم في الرؤيا بظهور شخص أو أكثر يكون معروفاً لدينا أثناءها ، فإذا استيقظنا نسينا شكله . فيقول الرائي عندئذ : أنه كان معه شخص يعرفه ولكنه الآن نسيه . ويكون هذا الشخص المعروف في الرؤيا ، المجهول في اليقظة متصفاً بالسمات التي تتصف بها ملامح الإنسان في وجهه . فيكون وجهه واضح المعالم تماماً للرائي . وهذا أصل من أصول هذا العلم .
ويكون وجوده في الرؤيا بشارة للرائي أو إنذاراً له . مما يؤكد حدوث هذه الرؤيا وإمكانية تصديق ما تهدف إليه .
وأما رؤيتهم على حقيقتهم الخلقية في النوم ، فتكون إنذاراً بوقوع عذاب شديد للرائي على عمل شائن سيقوم به لقوله تعالى :
) يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ( [ الفرقان : 22] .
وينقسم الملائكة من حيث عملهم وتكليفهم إلى قسمين :
قسم مختص بخلق الله الذي يتبع النظام الشمسي وهو الإنسان .
وقسم مختص بخلق الله الذي يتبع النظام القمري وهو الجان .
ويتعاون القسمان قيما بينهما ، فيقوم كل قسم بتسليم ما وصل إليه في قسمه إلى ذلك القسم الذي بدأ عمله .
هذا العمل المتصل ليلاً نهاراً هو الذي عبّر عنه الرسول الكريم I عندما قال :
( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ) .
هذان القسمان يخضعان في عملهم لنظام دقيق محكم صادر عن الديوان الإلهي . وهذا الديوان يرأسه جبريل عليه السلام الذي يتلقى الأوامر الإلهية ويعمل على تنفيذها .
فإن كانت هناك أمور مستعجلة تستوجب التنفيذ العاجل قام هو نفسه بتنفيذها . وعندئذ ينعقد مجلس الحرب الملائكي بقيادته ، ويتم تحديد العمل الذي يوكل إلى كل مَلك للقيام به .
وتوضح المصادر أن الملائكة اشتركت فعلياً في القتال يوم بدر . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس قال : ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى بدر من الأيام . وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون( [1] ) .
وعن عبد الله بن عباس قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء أرسلوها على ظهورهم إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء ( [2] ) .
وإذا صحت الروايات برؤية الملائكة ، فإن اختلاف لون عمامة جبريل عن باقي الملائكة دليل على أنه القائد الفعلي لهذا الجيش الملائكي .
ومن المؤكد أن هذا الجيش الملائكي قد ساهم في هبوط الروح المعنوية لدى المشركين في معركة الخندق فكانت سبباً مباشراً في انسحابهم من المعركة .
قال الله تعالى عن غزوة الخندق : ) فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها ( [ الأحزاب : 9 ] .
فالجنود المجهولون في الرؤيا هم ملائكة في الجيش الإلهي . وهذا أصل من أصول هذا العلم . فإن رأى أحدهم أنه يضع رتبة عسكرية على كتفيه ، فيكون هذا بشارة له من الله عز وجل على حسن طاعته ، وعلو منزلته بحسب الرتبة العسكرية التي يضعها .
ومما لاشك فيه أن جبريل عليه السلام هو الذي قاد الهجوم بنفسه على قوم لوط ، وكان الملك ميكائيل تحت قيادته . فالطبري يروي بإسناد عن مجاهد في أكثر من رواية منقولة عنه أن جبريل عليه السلام أدخل جناحيه تحت الأرض السفلى من قوم لوط ، ثم أخذهم بالجناح الأيمن . وأخذهم من سرحهم ومواشيهم ثم رفعها على خوافي جناحيه بما فيها ، ثم صعد بها إلى السماء ثم قلبها ( [3] ) .
فمن رأى أن له جناحين فذلك بشارة له على القوة التي منحها الله له ، وذلك على قدر حجم الجناح وكبره .
ومن المؤكد أن جبريل عليه السلام هو الذي قاد الهجوم على جيش أبرهة الحبشي . وتمثلت قيادته لهذا الجيش الملائكي بالطير الأبابيل التي حملت حجارة من سجيل مأخوذة من نار جهنم . ولهذا فإن الطيور المجهولة النوع والكثيرة العدد تكون في الرؤيا إنذاراً بوقوع عذاب ماحق ، وغالباً ما يكون هذا العذاب عاماً لا خاصاً . وهذا أصل من أصول هذا العلم .
وينقسم العمل في الديوان الإلهي إلى أقسام عدة ، يتولى كل قسم العمل الموكل إليه ، ويكون على رأسه كبير من الملائكة .
فقسم العذاب يتولاه المَلَك مالك عليه السلام ، فهو خازن النار . قال الله تعالى : على لسان أصحاب النار وهم في جهنم) ونادَوا يا مالكُ ليقضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون ( [ الزخرف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق